الحلقة الاولي من سلسة ( الانفاس الاخيره )
=========================
قال أنس بن مالك: ألا أحدثكم بيومين وليلتين لم تسمع الخلائق بمثلهن: أول
يوم يجيئك البشير من الله -تعالى- إما برضاه، وإما بسخطه، ويوم تُعرض فيه
على ربك آخذًا كتابك. إما بيمينك وإما بشمالك. وليلة تستأنف فيها المبيت في
القبور ولم تبت فيها قط، وليلة تمخض صبيحتها يوم القيامة( ).
روي أن
ملك الموت دخل على داود عليه السلام فقال: من أنت؟ فقال: من لا يهاب
الملوك، ولا تمنع منه القصور، ولا يقبل الرُشا. قال: فإذًَا أنت ملك الموت،
قال: نعم، قال: أتيتني ولم استعد بعد!؟ قال: يا داود أين فلان قريبك؟ أين
فلان جارك؟ قال: مات. قال: أما كان لك في هؤلاء عبرة لتستعد( ).
أخي الحبيب
أيام عمرك أيام قلائل، ولحظات محسوبة، وأنفاس معدودة، لو أردت زيادة في
عمرك ولو للحظات -مقابل أموال الدنيا أجمع- لما استطعت إلى ذلك سبيلاً،
فكيف بك الآن تضيعها في غير طاعة الله؟.. تنفق الساعات الطوال في لهو ولعب
وهي لحظات عمرك الغالية وساعات حياتك الثمينة.. وقد ذكر ذلك أبو حازم فقال:
إن بضاعة الآخرة كاسدة، يوشك أن تنفق فلا يوصل منها إلى قليل ولا كثير،
ومتى حيل بين الإنسان والعمل لم يبق له إلا الحسرة والأسف عليه، ويتمنى
الرجوع إلى حالٍ يتمكن فيها من العمل فلا تنفعه الأمنية( ).
ولنسير
لحظات لنرى بعضًا من حالات الاحتضار ونزلات الموت التي هي إلينا قادمة
عاجلاً أو آجلاً. هذه حال رسول الله صل اله عليه وسلم خير الأنبياء
والمرسلين وأكرم الخلق على الله أجمعين عندما أصابته سكرات الموت وشدتها..
فقد قال صل الله عليه وسلم وهو يدخل يديه في ركوة ماء ويمسح بها وجهه الشريف: «لا إله إلا الله، إن للموت سكرات» رواه البخاري.
ولما رأت فاطمة -رضي الله عنها- ما برسول الله صل الله عليه وسلم، من
الكرب الشديد الذي يتغشاه قالت: واكرب أباه فقال لها: «ليس على أبيك كرب
بعد اليوم» رواه البخاري.
هذه حال سيد الخلق وحال من تفطرت قدماه وغفر له من ذنبه ما تقدم وما تأخر.
أما حال الصديق أبي بكر -رضي الله عنه- وهو المُبشر بالجنة لما احتضر -رضي الله عنه- تمثلت عائشة -رضي الله عنها- بهذا البيت:
أعاذل ما يغني الحذار عن الفتى إذا حشرجت يومًا وضاق بها الصدر
فقال أبو بكر رضي الله عنه: ليس كذلك يا بنية ولكن قولي: وَجَاءَتْ
سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ.
ثم قال: انظروا ثوبي هذين فاغسلوهما ثم كفنوني فيهما فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت( ).
وهذا فاروق الأمة وثاني الخلفاء الراشدين والمُبشر بالجنة .. هذه حاله
وهذا خوفه من الله -عز وجل- فقد قال عبد الله بن الزبير: ما أصابنا حزنٌ
منذ اجتمع عقلي مثل حزن أصابنا على عمر بن الخطاب ليلة طُعن، قال: صلى بنا
الظهر والعصر والمغرب والعشاء، أسر الناس وأحسنهم حالاً. فلما كانت صلاة
الفجر صلى بنا رجل أنكرنا تكبيره، فإذا هو عبد الرحمن بن عوف، فلما انصرفنا
قيل: طُعن أمير المؤمنين. قال: فانصرف الناس وهو في دمه لم يُصل الفجر
بعد، فقل: يا أمير المؤمنين الصلاة، الصلاة. قال: ها الله ذا لاحظ لامرئٍ
في الإسلام ضيع الصلاة، قال: ثم وثب ليقوم فانبعث جرحه دمًا، قال: يا أيها
الناس أكان هذا على ملأ منكم. فقال له علي بن أبي طالب: لا والله، لا ندري
من الطاعن من خلق الله أنفسنا تفدي نفسك، ودماؤنا تفدي دمك، فالتفت إلى عبد
الله بن عباس فقال: اخرج، فسل الناس ما بالهم وأصدقني الحديث..
فخرج
ثم جاء، فقال: يا أمير المؤمنين أبشر بالجنة، لا والله ما رأيت عينًا تطرف
من خلق من ذكر أو أنثى.. إلا باكية عليك، يفدونك بالآباء والأمهات، طعنك
عبُد المغيرة بن شعبة، وطعن معك اثنا عشر رجلاً فهم في دمائهم حتى يقضي
الله فيهم ما هو قاض، تَهْنَك يا أمير المؤمنين الجنة.. قال: غُر بهذا غيري
يابن عباس، فقال ابن عباس: ولِمَ لا أقول لك يا أمير المؤمنين؟ فوالله إن
كان إسلامك لعزًا، وإن كانت هجرتك لفتحًا، وإن كانت ولايتك لعدلاً، ولقد
قتلت مظلومًا، ثم التفت إلى ابن عباس فقال: تشهد بذلك عند الله يوم
القيامة؟ فكأنه تلكأ. قال: فقال علي بن أبي طالب وكان بجانبه: نعم يا أمير
المؤمنين نشهد لك عند الله يوم القيامة، قال: ثم التفت إلى ابنه عبد الله
بن عمر فقال: ضع خدي إلى الأرض يا بني، قال: فلم أبح (أعبأ) بها وظننت أن
ذلك اختلاس من عقله. فقالها مرة أخرى: ضع خدي إلى الأرض يا بني، فلما أفعل،
ثم قال لي: المرة الثالثة: ضع خدي إلى الأرض لا أم لك، فعرفت أنه مجتمع
العقل، ولم يمنعه أن يضعه إلا ما به من الغلبة، قال: فوضعت خده إلى الأرض
حتى نظرت إلى أطراف شعر لحيته خارجة من بين أضغاث التراب، قال: وبكى حتى
نظرت إلى الطين قد لصق بعينيه، قال: واصغيت بأذنين لأسمع ما يقول: قال:
فسمعته وهو يقول: يا ويل عمر وويل أمه إن لم يتجاوز الله عنه( ).
فلو كان هول الموت لا شيء
لهان علينا الأمر واحتُقِر الأمرُ
ولكنه حشر، ونشرٌ، وجنة
ونارٌ وما قد يستطيل به الخبرُ
ولما احتضر عثمان بن عفان رضي الله عنه جعل يقول ودمه يسيل.. لا إله إلا
أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، اللهم إني أستعين بك على أموري، وأسألك
الصبر على بلائي.
هؤلاء أصابتهم شدة الموت وسكراته وهم الصحابة الأجلاء
والرفقاء الأخلاء.. خلفاء الأمة الراشدون والمبشرون بالجنة.. فما بالك
بحالنا وكيف إذا نزل بساحتنا؟! فالله المستعان.
المصادر
=====
( ) التذكرة: (98).
( ) التذكرة: (48).
( ) جامع العلوم: (468).
( ) تاريخ عمر: (245).
( ) الزهد: (163).
· · · 5 hours ago
- أم عبد الله المصريه اللهم مالا حول ولا قوه الا بالله مال الدنيا قد مالت بنا عن تذكر الموت رهبته وبعدتنا عن الآخره ونعيمها اللهم اسألك حسن الخاتمه وحسن اللقاء بك والمسلمين أجمعين2 ساعة مضت · ·
1
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق