الابتكار.. تجديد في دماء العمل الدعوي
:::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::
يمثل التجديد دائما سببا رئيسا من أسباب النجاح في جميع المشاريع وفي كل المجالات تقريبا..
وغالبا ما تصاب الأعمال والمشاريع التقليدية بالفشل ولو بعد قليل من
الزمن، إذ إن عنصر الابتكار واستحداث أفكار ورؤى جديدة يستهوي الفئة
المستهدفة فيزيد الطلب على المعروض ويحدث الرواج المطلوب.
وهذه تكاد تكون قاعدة عامة ومطردة في كل المجالات.
ولاشك أن مجال الدعوة إلى الله واحد من هذه المجالات التي تتطلب تنوعا في
الوسائل وتجديدًا في أساليب الطرح وابتكارا في كيفية العرض للوصول إلى
المدعو وإيصال الدعوة إليه أو جذبه هو إليها.
ويمكن أن نقول إن التعامل مع الدعوة كمشروع تجاري ـ في نظري على الأقل ـ من الأهمية بمكان، بمعنى الاهتمام بها كمشروع عمر.
والنظر المتعمق في وسائل وطرق إنجاح هذا المشروع وعمل دراسات جدوى لحساب
نسبة المكاسب والخسائر والمصالح والمفاسد التي يمكن أن تنجم عن كل فكرة
جديدة أو ابتكار دعوي ومدى ملاءمة هذه الأفكار لإمكانيات الداعية حسب
الظروف المتاحة واستغلال أقل الإمكانيات لتحقيق أكبر الأهداف.
ولابد أن يلتفت الداعية صاحب هم الدعوة الذي يريد إنجاحها عند الابتكار إلى أمرين مهمين:
الأول: زيادة القدرة على توليد الأفكار وتنويعها.
الثاني: تطوير المهارات لتطبيق تلك الأفكار وتنزيلها على أرض الواقع.
ومن المعلوم أن الأداء الروتيني قد يفقد الداعية بعض أتباعه، كما أنه
يحرمه أتباعا جددا يمكن أن يكتسبهم بمجرد إدخال تغييرات بسيطة في طريقة
دعوته أو فتح باب جديد لتطوير عرضها.
ونحن هنا نقصد الدعوة بمعناها الشامل والواسع لا مجرد درس علم أو موعظة، فالدعوة أكبر وأوسع من أن تحصر في ذلك.
ولا مانع أبدا أن يفتح الإنسان بابا لنشر الدين ربما لم يخطر على بال أحد
قبله، فالمعروف أن وسائل الدعوة ليست توقيفية كما أنها بإمعان النظر لا
نكاد نراها تقف عند حد معين طالما أنها لا تخالف دين الله تعالى وأصول
شريعته.
ومن الممكن أن يعمل الإنسان عقلة وفكره ليستحدث وسيلة
يجمع بها قلوب الناس على دين الله أو يحبب الناس في ربهم ورسولهم أو حتى
يعلمهم بها دينهم وهذا باب يعتمد على سعة الأفق والقدرة على الابتكار
والتصور والتطور.
فالابتكار هو عملية إبداع أشياء جديدة لا يوجد لها مثيل، ولا تظهر قيمة هذا الإبداع وذاك الابتكار حتى يتم تطبيقها على أرض الواقع.
ولابد لوجود الابتكار من وجود الرغبة في الإجادة والحافز على التفكير والقدرة الإبداعية لإيجاد وتصور الأفكار الخلاقة.
الابتكار عند الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه:
قد يظن البعض أن مثل هذه الموضوعات جديدة أتى بها الفكر الإداري الحديث
وأثمرتها وأفرزتها البحوث الحديثة، وقد يتعجب البعض إذا قلنا إن منهج
الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقوم على كافة أركان ومقومات النمط القيادي
الابتكاري الذي يدعم ويشجع الابتكار في أعلى درجات، وذلك في كل مظاهر
إدارته صلى الله عليه وسلم.
ولعل من بين أعظم جوانب شخصيته
القيادية العبقرية الفذة أنه تمكن ببساطة ويسر من تفجير الطاقات الإبداعية
والابتكارية لصحابته على اختلاف قدراتهم ومستوياتهم وجعل كلا منهم يعمل
عقلية وفكرة لخدمة الفكرة التي آمن بها وذلك بأعلى درجات الكفاءة والفعالية
الفردية والتنظيمية.
فقد جعل كلا منهم قائدًا متميزا في مجاله،
يستشعر أعلى درجات المسئولية، وينغمس في العمل لفكرته بكل كيانه ووجدانه،
ويشارك ويبدع ويبادر بتقديم أفكاره ورأيه دون حتى انتظار أن يطلب ذلك منه.
الصحابة والابتكار:
ولعلنا لا نتجاوز الحقيقة حين نقرر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد
استطاع أن يحقق بهؤلاء الأفراد العاديين في عاداتهم وطباعهم ومستوى حضارتهم
وإمكاناتهم أعمالا غير عادية تفوقوا بها على أكثر الدول المحيطة بهم عدة
وعتادًا وتنظيمًا، وحضارةً كالفرس والروم، وهذا هو ما يعتبر بحق معيار نجاح
أي قائد.
فإذا كان الابتكار يعرف في أبسط معانيه بأنه التوصل إلى
وسيلة جديدة غير مألوفة لتحقيق نفس الهدف. فهذا هو ما حدث بالفعل في ذلك
المناخ الإبداعي الذي صنعه الرسول صلى الله عليه وسلم لصحابته..
ورغم أن سيرتهم رضوان الله عليهم مليئة بمظاهر النمط الابتكاري إلا أنني
سوف أكتفي بالإشارة إلى موقفين أو ثلاثة لتكون دليلا على ما سواها من
المواقف والتي تجلت في مناح كثيرة من حياتهم رضي الله عنهم أجمعين.
سلمان والخندق:
لعل هذه واحدة من أعلى درجات النمط الابتكاري والتي تدلل على مدى انغماس
الصحابة بكل وجدانهم وكيانهم عقلًا وفكرًا وإحساسًا بمسؤوليات الأمة وكيف
استطاع صلى الله عليه وسلم أن يحول الفرد العادي إلى مشارك ومبادر مبدع
ومبتكر بشكل غير عادي.
لقد أتى الأحزاب إلى المدينة لاستئصال شأفة
المسلمين، والقضاء تماما على هذه الدولة الناشئة وهذا الدين الجديد، وكانت
أعدادهم من الكثرة بحيث لا يستطيع المسلمون الوقوف أمام جحافلهم، فجمع
النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه للتشاور في الأمر وكانت الفكرة المبتكرة
وغير المألوفة عند العرب حينئذٍ من سلمان الفارسي.
وهي حفر خندق
في الجزء الذي يمكن اقتحام المدينة منه وهو بين لابتين مرتفعتين، وهو ما
يدل على مدي انغماس سلمان وانهماكه في التفكير المسئول والقائم على دراسة
ومعرفة بجغرافية الموقع وإعمال عقله وفكره لحل المشكلة، وكأنه القائد
الأعلى والمسئول الأوحد عن حلها.
وكم كانت فكرة موفقة وصائبة قلبت
الموازين، وحولت ضعف المسلمين قوة، وقوة المشركين ضعفا، وشكلت لهم مفاجأة
إستراتيجية لم يحسبوا لها حسابًا وقلبت خططهم وتدبيرهم رأسًا على عقب
ووضعتهم في موضع الدفاع بدلًا من الهجوم وأفقدتهم ميزة العدد والعدة التي
كانوا يتمتعون بها..
· · · منذ 8 ساعات
- Alaa Machaal و مصطفي صقر معجبان بهذا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق