الأحد، 3 يونيو 2012

التعاون .. سر النجاح

التعاون .. سر النجاح
============

هل شاهدت مسجدًا عظيم البناء واسع الأرجاء ، له مئذنة عالية الارتفاع وقباب جميلة ؟ وسألت نفسك: من قام على بناء هذا المسجد ؟

هل يمكن أن يقوم بذلك فرد واحد ؛ أم قام به أفراد كثيرون ، تعاونوا فيما بينهم حتى ظهر هذا البناء ؟

لا شك أن هذا المسجد ثمرة تعاون المهندسين ، والبناءين، والنجارين، والحدادين، وغيرهم ..

وهذا التعاون من أهم الصفات التي تتصف بها الكائنات جميعًا في الكون ، فلا يستطيع كائن أن يحيا بمفرده دون أن يكون في حاجة إلى مساعدة أخيه ، فالطيور تعيش في جماعات وتتعاون فيما بينها ، والحيوانات- أيضًا- تعيش في جماعات ترعى معًا ، وتخرج للصيد معًا .

والإنسان لا يمكن أن يعيش إلا متعاونًا مع غيره ، فكل منا يحتاج الآخر ، فأنت تحتاج إلى الطبيب والمهندس والمعلم ، والصانع والخباز ، والنجار والحداد ، وسائق الطائرة والقطار، ولا يوجد إنسان يجيد كل تلك الأعمال ، فكل صاحب مهنة محتاج إلى غيره ، بهذا تسير الحياة وتدور حركتها ، وبغير ذلك تتوقف الحياة ولا تتقدم إلى الإمام .

· المؤمنون أخوة :

وقد دعا الإسلام إلى التعاون ، ورغب الناس فيه؛ حرصًا على ترابط المسلمين وتماسك وحدتهم ، فقال تعالى :
"وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ و َالْعُدْوَانِ" (المائدة :2)


وقال- صلى الله عليه وسلم- : "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة" . (رواه البخارى)
وقد فهم المسلمون معنى التعاون منذ أن بدأ النبي- صلى الله عليه وسلم- دعوته في مكة ، فتعاونوا في نشر الإسلام ، ودعوة من يرون فيه خيرًا واستجابة للإسلام، وبفضل تعاونهم دخلت أفراد جديدة إلى الإسلام . وكان "أبو بكر الصديق" أبرز من عاون النبي- صلى الله عليه وسلم- في نشر الإسلام ، فأسلم على يديه "عثمان بن عفان" ، و"عبد الرحمن بن عوف" و"أبوعبيدة بن الجراح" ، وغيرهم .

· النبي- صلى الله عليه وسلم- المثل الأعلى في التعاون :

كان النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- المثل الأعلى في التعاون، سواء أكان داخل بيته أم مع أصحابه ... كان متعاونًا في كل أحواله ، في البيت يساعد أهله، ويعاونهم في شئون المنزل، وفى خارج البيت يتعاون مع أصحابه في القيام ببعض الأعمال بهمة ونشاط.
بعد هجرة النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة بدأ في بناء مسجد للمسلمين يصلون فيه ، ويجتمعون فيه لبحث شئون حياتهم ، واشترك النبي بنفسه في البناء، فكان- صلى الله عليه وسلم- يحمل مثل أصحابه
التراب والطوب ، وكان عمره في ذلك الوقت - وهو يعمل - ثلاثًا وخمسين سنة ، ولم تمنعه سنه ولا مكانته العالية من أن يتعاون مع أصحابه في بناء المسجد ، وظل يعمل معهم حتى اكتمل بناء المسجد ، الذي كانت أعمدته من جذوع النخل ، وسقفه من الجريد .

موقف آخر قام به النبي- صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه في غزوة الخندق ، وهى الغزوة التي تحالفت فيها "قريش" مع عدد من القبائل العربية لمحاربة المسلمين في "المدينة" ، فقدموا إليها في عشرة آلاف مقاتل ، وأقام النبي- صلى الله عليه وسلم- خندقًا حول "المدينة"؛ استجابة لرأى الصحابى "سلمان الفارسي" .

وقد عمل المسلمون في حفر الخندق في ظل ظروف صعبة جدَّا ، فالجو كان في غاية البرودة، ولا بد من إنجاز الحفر في أسرع وقت ، فقسم الرسول العمل على أصحابه، وجعل لنفسه نصيبًا من العمل ، فكان يحفر معهم، ويحمل التراب بنفسه مثل باقي الصحابة .. وكان إذا رأى من الصحابة تعبًا قام بتنشيطهم للعمل مردَّدا :

اللهم إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة. وكانوا يجيبونه مرددين :

نحن الذين بايعوا محمدًا على الجهاد ما بقينا أبدًا .

كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يعمل ذلك العمل الشاق وهو في السابعة والخمسين من عمره، ضاربًا المثل الأعلى والقدوة الحسنة لأصحابه ، وأنه مثلهم يعمل كما يعملون، ويبذل جهدًا كما يبذلون .

وبفضل هذا التعاون أتم المسلمون حفر الخندق في ستة أيام ، على الرغم من طوله واتساع عرضه وعمقه ، وصلابة الأرض الصخرية التي تم الحفر فيها ، ولما جاء المشركون فوجئوا بهذا الخندق ، واندهشوا من قدرة المسلمين على إنجاز هذا العمل الجبار في هذا الوقت القصير وبهذه الأعداد القليلة !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق