التعاون .. سر النجاح
التعاون .. سر النجاح
============
هل شاهدت مسجدًا عظيم البناء واسع الأرجاء ، له مئذنة عالية الارتفاع وقباب جميلة ؟ وسألت نفسك: من قام على بناء هذا المسجد ؟
هل يمكن أن يقوم بذلك فرد واحد ؛ أم قام به أفراد كثيرون ، تعاونوا فيما بينهم حتى ظهر هذا البناء ؟
لا شك أن هذا المسجد ثمرة تعاون المهندسين ، والبناءين، والنجارين، والحدادين، وغيرهم ..
وهذا التعاون من أهم الصفات التي تتصف بها الكائنات جميعًا في الكون ، فلا
يستطيع كائن أن يحيا بمفرده دون أن يكون في حاجة إلى مساعدة أخيه ،
فالطيور تعيش في جماعات وتتعاون فيما بينها ، والحيوانات- أيضًا- تعيش في
جماعات ترعى معًا ، وتخرج للصيد معًا .
والإنسان لا يمكن أن يعيش
إلا متعاونًا مع غيره ، فكل منا يحتاج الآخر ، فأنت تحتاج إلى الطبيب
والمهندس والمعلم ، والصانع والخباز ، والنجار والحداد ، وسائق الطائرة
والقطار، ولا يوجد إنسان يجيد كل تلك الأعمال ، فكل صاحب مهنة محتاج إلى
غيره ، بهذا تسير الحياة وتدور حركتها ، وبغير ذلك تتوقف الحياة ولا تتقدم
إلى الإمام .
· المؤمنون أخوة :
وقد دعا الإسلام إلى التعاون ، ورغب الناس فيه؛ حرصًا على ترابط المسلمين وتماسك وحدتهم ، فقال تعالى :
"وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ و َالْعُدْوَانِ" (المائدة :2)
وقال- صلى الله عليه وسلم- : "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ، ومن
كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه
كربة من كرب يوم القيامة ، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة" . (رواه
البخارى)
وقد فهم المسلمون معنى التعاون منذ أن بدأ النبي- صلى الله
عليه وسلم- دعوته في مكة ، فتعاونوا في نشر الإسلام ، ودعوة من يرون فيه
خيرًا واستجابة للإسلام، وبفضل تعاونهم دخلت أفراد جديدة إلى الإسلام .
وكان "أبو بكر الصديق" أبرز من عاون النبي- صلى الله عليه وسلم- في نشر
الإسلام ، فأسلم على يديه "عثمان بن عفان" ، و"عبد الرحمن بن عوف"
و"أبوعبيدة بن الجراح" ، وغيرهم .
· النبي- صلى الله عليه وسلم- المثل الأعلى في التعاون :
كان النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- المثل الأعلى في التعاون، سواء أكان
داخل بيته أم مع أصحابه ... كان متعاونًا في كل أحواله ، في البيت يساعد
أهله، ويعاونهم في شئون المنزل، وفى خارج البيت يتعاون مع أصحابه في القيام
ببعض الأعمال بهمة ونشاط.
بعد هجرة النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى
المدينة بدأ في بناء مسجد للمسلمين يصلون فيه ، ويجتمعون فيه لبحث شئون
حياتهم ، واشترك النبي بنفسه في البناء، فكان- صلى الله عليه وسلم- يحمل
مثل أصحابه
التراب والطوب ، وكان عمره في ذلك الوقت - وهو يعمل -
ثلاثًا وخمسين سنة ، ولم تمنعه سنه ولا مكانته العالية من أن يتعاون مع
أصحابه في بناء المسجد ، وظل يعمل معهم حتى اكتمل بناء المسجد ، الذي كانت
أعمدته من جذوع النخل ، وسقفه من الجريد .
موقف آخر قام به النبي-
صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه في غزوة الخندق ، وهى الغزوة التي تحالفت
فيها "قريش" مع عدد من القبائل العربية لمحاربة المسلمين في "المدينة" ،
فقدموا إليها في عشرة آلاف مقاتل ، وأقام النبي- صلى الله عليه وسلم-
خندقًا حول "المدينة"؛ استجابة لرأى الصحابى "سلمان الفارسي" .
وقد عمل المسلمون في حفر الخندق في ظل ظروف صعبة جدَّا ، فالجو كان في غاية
البرودة، ولا بد من إنجاز الحفر في أسرع وقت ، فقسم الرسول العمل على
أصحابه، وجعل لنفسه نصيبًا من العمل ، فكان يحفر معهم، ويحمل التراب بنفسه
مثل باقي الصحابة .. وكان إذا رأى من الصحابة تعبًا قام بتنشيطهم للعمل
مردَّدا :
اللهم إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة. وكانوا يجيبونه مرددين :
نحن الذين بايعوا محمدًا على الجهاد ما بقينا أبدًا .
كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يعمل ذلك العمل الشاق وهو في السابعة
والخمسين من عمره، ضاربًا المثل الأعلى والقدوة الحسنة لأصحابه ، وأنه
مثلهم يعمل كما يعملون، ويبذل جهدًا كما يبذلون .
وبفضل هذا
التعاون أتم المسلمون حفر الخندق في ستة أيام ، على الرغم من طوله واتساع
عرضه وعمقه ، وصلابة الأرض الصخرية التي تم الحفر فيها ، ولما جاء المشركون
فوجئوا بهذا الخندق ، واندهشوا من قدرة المسلمين على إنجاز هذا العمل
الجبار في هذا الوقت القصير وبهذه الأعداد القليلة !

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق