شروط المفتي :
الإخوة الكرام : تكلمنا بالأمس عن أهمية الفتوى وخطورتها ، واليوم بعون الله نتكلم عن الشروط التي ينبغى توافرها في المفتى .
فأقول وبالله التوفيق :
اشترط العلماء مجموعة من الشروط التي ينبغى توافرها فيمن يتصدى للإفتاء ، وبدونها يكون الشخص غير أهل للفتوى ، وهذه الشروط هى :
الشرط الأول : أن يكون المفتى عالما بكتاب الله :
اشترط العلماء فى المفتى أن يكون عالماً بكتاب الله تعالى أي الق...رآن
الكريم ، ولكن العلماء اختلفوا فيما بينهم فى معنى العلم بكتاب الله .
فذهب جمهور العلماء إلى أن العلم بالقرآن معناه أن يكون حافظاً له .
وذهب الشافعية إلى أنه لا يشترط الحفظ ، بل يكفى أن يكون المفتى قادراً على استخراج الآية التي يريدها فى الحكم المراد .
وفى تقديرى أن الراجح هو ما ذهب إليه الجمهور من ضرورة كون المفتى حافظاً للقرآن الكريم ، لأن الحافظ أضبط وأوثق .
الشرط الثاني :
أن يكون عارفاً بعلوم القرآن الكريم وما يتعلق به ، إذ يجب عليه أن يعلم
الناسخ والمنسوخ من القرآن الكريم ، حتى لا يفتى بالحكم المنسوخ ، فتكون
فتواه باطله ، وعليه أن يعلم كذلك المجمل والمبين من القرآن ، والعام
والخاص ، والمطلق والمقيد ، وغير ذلك من العلوم التى تتعلق بالقرآن الكريم .
الشرط الثالث : العلم بأقوال المفسرين :
يجب على المفتى أن يكون على علم بأقوال المفسرين فى الآيات التى يستدل بها
، والعلم المطلوب منه علم مستفيض ، بحيث يعلم مدى صحة الأقوال وضعفها ،
ولا يتم له ذلك إلا إذا كان على علم بمناهج المفسرين فى تفاسيرهم .
الشرط الرابع : أن تكون لدى المفتى معرفة كاملة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم :
فينبغى عليه أن يعرف أحاديث الأحكام فى كتب السنة ، ولكن هل يشترط حفظ
الأحاديث أم تكفى القدرة على استخراج الأحاديث وقت الحاجة إليها ؟ الراجح
لدى العلماء عدم اشتراط الحفظ ، خاصة بعد ظهور التدوين لمصنفات الحديث ،
ولكن يجب أن تكون لديه المقدرة على التمييز بين الحديث الصحيح وغيره ، ولا
يتم له ذلك إلا بمعرفة القواعد العلمية التى وضعها العلماء لتخريج الأحاديث
والحكم عليها .
الشرط الخامس :
أن يكون المفتى عالماً بقواعد اللغة العربية ، لأن القرآن والسنة عربيان ، ولا يتم فهمهما إلا بمعرفة قواعد اللغة العربية .
الشرط السادس :
أن يكون المفتى متقناً لعلم أصول الفقه ، إذ بدون هذا العلم لا يمكن لأي
شخص كائناً من كان أن يتعرض للفتوى ، حتى ولو درس علوم الدنيا كلها ، إذ إن
علم أصول الفقه هو العلم الذى من خلاله يستطيع المفتى استخراج الحكم
الشرعى من الدليل وفق القواعد الأصولية الموضوعة من قبل علماء الأصول .
الشرط السابع :
أن يحفظ المفتى المسائل التى أجمع عليها الفقهاء :
وهذا الشرط يعد من أهم الشروط ، إذ ينبغى على المفتى أن يحفظ مسائل
الإجماع ، حتى لا يفتى بحكم يخالف ما أجمع عليه الفقهاء ، لأن المفتى إذا
خالف الإجماع كان حكمه مردود عليه ، واتهم بالجهل ، وقد صنفت الكتب فى
مسائل الإجماع ، منها " كتاب الإجماع للإمام ابن المنذر " وكتاب " مراتب
الإجماع للإمام ابن حزم الظاهرى " وغيرهما الكثير .
الشرط الثامن :
أن يعرف المفتى كل أقوال الفقهاء فى المسألة التى يريد الفتوى فيها ، ولا
يقتصر على معرفة مذهب معين فقط ، فمثلاً إذا سئل المفتى عن أقل مدة الحيض
وأكثره ، فلا بد أن يكون على علم بأن المسألة فيها خمسة عشر قولاً للفقهاء ،
ويعرف كذلك القائلين بها ، والأدلة التى اعتمد عليها كل قول ، وما ورد على
هذه الأدلة من مناقشات ، حتى يستطيع فى نهاية الأمر تكوين العقيدة التى
تصل به إلى أرجح الأقوال .
الشرط التاسع :
أن تكون لدى المفتى
دراية بالقواعد التى بنيت عليها المذاهب الفقهية ، حيث إن لكل مذهب قواعد
وضعها إمام المذهب ليتم على أساسها استنباط الأحكام ونسبتها إلى المذهب ،
فمثلاً أبو جنيفة يكثر من العمل بالقياس ، ويعمل العقل فى الكثير من الأمور
، وباقى الأئمة على خلافه يعملون العقل فى أضيق الحدود ، وبالتالى فالفتوى
على مذهب إمام يجب أن تتماشى مع قواعد المذهب .
كما ينبغى على المفتى
أن يكون على علم بالمدارس الفقهية ، وظروف نشأتها ، والأسس التى قامت عليها
كل منهما ، فعليه أن يعرف أن هناك مدرستين الأولى هى مدرسة أهل الرأي
والثانية هى مدرسة أهل الحديث ، ولكل منهما منهجها المستقل .
الشرط العاشر :
أن يكون المفتى على علم بقواعد التعارض والترجيح :
لأن علمه بهذه القواعد يمكنه من ترجيح رأي على آخر ، فالترجيح لا يكون عن
هوى أو عن رأى شخصي من المفتى ، بل هو محكوم بقواعد لا ينبغى له أن يخرج
عنها .
الشرط الحادى عشر : فطنة المفتى :
يجب على المفتى أن يكون
ذكياً فطناً ، لدية شىء من الحلم والأناة والطمأنينة وعدم التسرع ، لأن
التسرع فى الفتوى له عيوبه التى تجر صاحبها إلى النار .
الشرط الثانى عشر :
أن تكون كلمة لا أدرى من الكلمات المعتادة عند المفتى ، لأنه لا يوجد على
ظهر الأرض من حوى جميع العلوم ، ولذلك قال العلماء : " من ترك كلمة لا أدرى
فهو مجنون " ، وسئل الإمام مالك فى أربعين مسألة ، فأجاب فى أربع ، وقال
فى ست وثلاثين لا أدرى .
الشرط الثالث عشر :
الا يلجأ المفتى إلى
الأقوال الشاذة فى المذاهب واعتمادها فى الفتى ، لأن هذه الأقوال لها
أضرارها ، ولا يجوز للمفتى أن يتذرع بأن هذا القول الشاذ قول لعالم ، لأن
أغلب الأقوال الشاذة بتتبع مصادرها وما آلت إليه يتضح أن القائلين بها قد
رجعوا عنها .
ووإن كان هناك بعض من يتصدون للإفتاء من يقدمون الأقوال
الغريبة فى الفتوى ، فإن هذا إن دل على شىء فإنما يدل على عدم فهم للقواعد
الصحيحة للفتوى وكيفيتها
وفى النهاية أقول : إن هذه الشروط هى خلاصة
الشروط التى وضعها العلماء ، حاولت قدر الإمكان أن أوجزها فى سطور قليلة
حتى لا أطيل على إخوانى ................ وأسأل الله أن يتقبل منى ، وأن
يجعله فى ميزان حسناتنا يوم العرض عليه ، إنه ولى ذلك والقادر عليه .
دكتور
أحمد محمد لطفى
أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة
والقانون جامعة الأزهر الشريف
الإخوة الكرام : تكلمنا بالأمس عن أهمية الفتوى وخطورتها ، واليوم بعون الله نتكلم عن الشروط التي ينبغى توافرها في المفتى .
فأقول وبالله التوفيق :
اشترط العلماء مجموعة من الشروط التي ينبغى توافرها فيمن يتصدى للإفتاء ، وبدونها يكون الشخص غير أهل للفتوى ، وهذه الشروط هى :
الشرط الأول : أن يكون المفتى عالما بكتاب الله :
اشترط العلماء فى المفتى أن يكون عالماً بكتاب الله تعالى أي الق...رآن الكريم ، ولكن العلماء اختلفوا فيما بينهم فى معنى العلم بكتاب الله .
فذهب جمهور العلماء إلى أن العلم بالقرآن معناه أن يكون حافظاً له .
وذهب الشافعية إلى أنه لا يشترط الحفظ ، بل يكفى أن يكون المفتى قادراً على استخراج الآية التي يريدها فى الحكم المراد .
وفى تقديرى أن الراجح هو ما ذهب إليه الجمهور من ضرورة كون المفتى حافظاً للقرآن الكريم ، لأن الحافظ أضبط وأوثق .
الشرط الثاني :
أن يكون عارفاً بعلوم القرآن الكريم وما يتعلق به ، إذ يجب عليه أن يعلم الناسخ والمنسوخ من القرآن الكريم ، حتى لا يفتى بالحكم المنسوخ ، فتكون فتواه باطله ، وعليه أن يعلم كذلك المجمل والمبين من القرآن ، والعام والخاص ، والمطلق والمقيد ، وغير ذلك من العلوم التى تتعلق بالقرآن الكريم .
الشرط الثالث : العلم بأقوال المفسرين :
يجب على المفتى أن يكون على علم بأقوال المفسرين فى الآيات التى يستدل بها ، والعلم المطلوب منه علم مستفيض ، بحيث يعلم مدى صحة الأقوال وضعفها ، ولا يتم له ذلك إلا إذا كان على علم بمناهج المفسرين فى تفاسيرهم .
الشرط الرابع : أن تكون لدى المفتى معرفة كاملة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم :
فينبغى عليه أن يعرف أحاديث الأحكام فى كتب السنة ، ولكن هل يشترط حفظ الأحاديث أم تكفى القدرة على استخراج الأحاديث وقت الحاجة إليها ؟ الراجح لدى العلماء عدم اشتراط الحفظ ، خاصة بعد ظهور التدوين لمصنفات الحديث ، ولكن يجب أن تكون لديه المقدرة على التمييز بين الحديث الصحيح وغيره ، ولا يتم له ذلك إلا بمعرفة القواعد العلمية التى وضعها العلماء لتخريج الأحاديث والحكم عليها .
الشرط الخامس :
أن يكون المفتى عالماً بقواعد اللغة العربية ، لأن القرآن والسنة عربيان ، ولا يتم فهمهما إلا بمعرفة قواعد اللغة العربية .
الشرط السادس :
أن يكون المفتى متقناً لعلم أصول الفقه ، إذ بدون هذا العلم لا يمكن لأي شخص كائناً من كان أن يتعرض للفتوى ، حتى ولو درس علوم الدنيا كلها ، إذ إن علم أصول الفقه هو العلم الذى من خلاله يستطيع المفتى استخراج الحكم الشرعى من الدليل وفق القواعد الأصولية الموضوعة من قبل علماء الأصول .
الشرط السابع :
أن يحفظ المفتى المسائل التى أجمع عليها الفقهاء :
وهذا الشرط يعد من أهم الشروط ، إذ ينبغى على المفتى أن يحفظ مسائل الإجماع ، حتى لا يفتى بحكم يخالف ما أجمع عليه الفقهاء ، لأن المفتى إذا خالف الإجماع كان حكمه مردود عليه ، واتهم بالجهل ، وقد صنفت الكتب فى مسائل الإجماع ، منها " كتاب الإجماع للإمام ابن المنذر " وكتاب " مراتب الإجماع للإمام ابن حزم الظاهرى " وغيرهما الكثير .
الشرط الثامن :
أن يعرف المفتى كل أقوال الفقهاء فى المسألة التى يريد الفتوى فيها ، ولا يقتصر على معرفة مذهب معين فقط ، فمثلاً إذا سئل المفتى عن أقل مدة الحيض وأكثره ، فلا بد أن يكون على علم بأن المسألة فيها خمسة عشر قولاً للفقهاء ، ويعرف كذلك القائلين بها ، والأدلة التى اعتمد عليها كل قول ، وما ورد على هذه الأدلة من مناقشات ، حتى يستطيع فى نهاية الأمر تكوين العقيدة التى تصل به إلى أرجح الأقوال .
الشرط التاسع :
أن تكون لدى المفتى دراية بالقواعد التى بنيت عليها المذاهب الفقهية ، حيث إن لكل مذهب قواعد وضعها إمام المذهب ليتم على أساسها استنباط الأحكام ونسبتها إلى المذهب ، فمثلاً أبو جنيفة يكثر من العمل بالقياس ، ويعمل العقل فى الكثير من الأمور ، وباقى الأئمة على خلافه يعملون العقل فى أضيق الحدود ، وبالتالى فالفتوى على مذهب إمام يجب أن تتماشى مع قواعد المذهب .
كما ينبغى على المفتى أن يكون على علم بالمدارس الفقهية ، وظروف نشأتها ، والأسس التى قامت عليها كل منهما ، فعليه أن يعرف أن هناك مدرستين الأولى هى مدرسة أهل الرأي والثانية هى مدرسة أهل الحديث ، ولكل منهما منهجها المستقل .
الشرط العاشر :
أن يكون المفتى على علم بقواعد التعارض والترجيح :
لأن علمه بهذه القواعد يمكنه من ترجيح رأي على آخر ، فالترجيح لا يكون عن هوى أو عن رأى شخصي من المفتى ، بل هو محكوم بقواعد لا ينبغى له أن يخرج عنها .
الشرط الحادى عشر : فطنة المفتى :
يجب على المفتى أن يكون ذكياً فطناً ، لدية شىء من الحلم والأناة والطمأنينة وعدم التسرع ، لأن التسرع فى الفتوى له عيوبه التى تجر صاحبها إلى النار .
الشرط الثانى عشر :
أن تكون كلمة لا أدرى من الكلمات المعتادة عند المفتى ، لأنه لا يوجد على ظهر الأرض من حوى جميع العلوم ، ولذلك قال العلماء : " من ترك كلمة لا أدرى فهو مجنون " ، وسئل الإمام مالك فى أربعين مسألة ، فأجاب فى أربع ، وقال فى ست وثلاثين لا أدرى .
الشرط الثالث عشر :
الا يلجأ المفتى إلى الأقوال الشاذة فى المذاهب واعتمادها فى الفتى ، لأن هذه الأقوال لها أضرارها ، ولا يجوز للمفتى أن يتذرع بأن هذا القول الشاذ قول لعالم ، لأن أغلب الأقوال الشاذة بتتبع مصادرها وما آلت إليه يتضح أن القائلين بها قد رجعوا عنها .
ووإن كان هناك بعض من يتصدون للإفتاء من يقدمون الأقوال الغريبة فى الفتوى ، فإن هذا إن دل على شىء فإنما يدل على عدم فهم للقواعد الصحيحة للفتوى وكيفيتها
وفى النهاية أقول : إن هذه الشروط هى خلاصة الشروط التى وضعها العلماء ، حاولت قدر الإمكان أن أوجزها فى سطور قليلة حتى لا أطيل على إخوانى ................ وأسأل الله أن يتقبل منى ، وأن يجعله فى ميزان حسناتنا يوم العرض عليه ، إنه ولى ذلك والقادر عليه .
دكتور
أحمد محمد لطفى
أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة
والقانون جامعة الأزهر الشريف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق